إذا تأملت الرقم أحد عشر ألفاً من النفوس البشرية فهو رقم صعب وكبير فماذا لو كان هذا الرقم يمثل عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعندما تقول أسرى فأنت تعرف أن هؤلاء هم خيرة الشباب والنساء الفلسطينيات المناضلات في الداخل والذين حملوا على كاهلهم عبء نضال تاريخي تخلى عنه عشرات ملايين العرب ومئات ملايين المسلمين.
إذا كان من المفهوم أن لا ترى الولايات المتحدة وحلفاء "إسرائيل" سوى جلعاد شاليط وأن تضغط على حلفائها العرب ومستجدييها الفلسطينيين لإطلاق سراحه وأن تتعامى عن أحد عشر ألف فلسطيني يقتلون ببطء ووفق سياسة ممنهجة فإن من غير المفهوم أن تسقط هذه القضية من أجندة الحكومات العربية التي باتت تلعب مجرد دور وسيط بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والفلسطينيين مقلدة دور النرويج أو ربما فنلندة من القضية.
قضية الأسرى الفلسطينيين لا تتعلق بكونها رقماً ولا يتوجب إثارتها فقط عندما يكون هناك أسرى إسرائيليين يعمل الجميع لإطلاق سراحهم فهناك وقائع على الأرض تقول إن هؤلاء الأسرى الذين تتراوح أحكامهم بين عشر سنوات وخمسين مؤبداً حتى لو كتب لهم الخروج يوماً ما فسيخرجون أشلاء محطمة بسبب سياسات إدارة السجون النازية المبرمجة التي تعلم أنهم النواة الصلبة لكفاح الشعب الفلسطيني.
إن أهم أداة لتحطيم الأسرى هي ممارسة سياسة العزل التي تعني حشر الأسير لسنوات في غرفة صغيرة الحجم تبلغ مساحتها 8‚1م x 7‚2 م تشتمل على دورة المياه، ولا يوجد فيها مكان للمشي أو لأغراض الأسير وحاجياته وتتضاعف المأساة إذا كان هناك أسيران في الزنزانة.
وتمنع إدارات السجون الأسرى المعزولين من تلقي الأموال من أهاليهم أو من جمعيات رعاية الأسير بحجة أنها أموال من مصادر تدعم الإرهاب وتجبرهم على شراء حاجياتهم من البقالة الخاصة بالسجن خلال فترة التنفس التي تمتد لساعة واحدة وفقاً لرغبة السجانين وبسبب فترة المحكوميات الطويلة فإن عدداً كبيراً من الأسرى المعزولين يعانون من أمراض جسدية ونفسية تحد من قدرتهم على إعداد طعامهم في الوقت الذي لا تسمح لهم فيه إدارات السجون بطلب مساعدة أسرى آخرين تبرعوا بمساعدهم بما حول حياة هؤلاء الرجال إلى عملية إعدام بطيئة ومن هذه الحالات الموثقة حالة الأسير عبد الناصر الحليسي من القدس والمحكوم بالمؤبد وشقيقه الموجود في قسم مفتوح آخر، حيث يعاني عبد الناصر من مشكلة نفسية صعبة بعد أن قضى 21 عاماً في سجون الاحتلال منها ثماني سنوات في أقسام العزل الانفرادي والأسير «عويضة كلاب» من غزة والمحكوم بالمؤبد قضى منها 20عاماً معظمها في أقسام العزل يعاني أيضاً من مرض نفسي يجعله يرفض زيارة أهله الذين يأتون لزيارته.
ولا تكفي زنزانات العزل لقتل الأسرى بل تعمد إدارات السجون إلى معاقبتهم بإرسالهم إلى ما يعرف «بالسنوك» وهو عبارة عن غرفة صغيرة جداً طولها 180 سم وعرضها 150 سم تكفي فقط للنوم وفيها فراش وقارورتان إحداهما لشرب الماء والأخرى تستخدم كدورة مياه ويستخدم السنوك للقتل المنهجي للأسرى حيث يقضي على سبيل المثال الأسير محمد براش فترات طويلة من محكوميته مقيداً بفراش السنوك علماً بأن الأسير المذكور ضرير وفقد ساقه اليسرى قبل أسره.
لا نريد من الوسطاء العرب والغربيين بين "إسرائيل" والفلسطينيين أن يجبروا "إسرائيل" على إطلاق سراحهم لأن هذا خارج إرادتهم ولكننا نريد ضغطاً دولياً وعبر مؤسسات مختصة للحد من عمليات القتل المنهجي لأسرى فلسطين.
الأحد أكتوبر 12, 2008 4:04 am